أدب الخلاف
كانت أخلاق المؤمنين مضرب المثل في كل زمان ومكان لم يكن بينهم أحزاب ولا تحزبات ولا سباب ولا شتائم ولا عصبيات كانوا يختلفون والخلاف وارد ولكنهم كانوا يقولون: الخلاف لا يفسد للود قضية اختلف عبد الرحمن ابن عوف مع خالد ابن الوليد في رأي والخلاف في الرأي وارد والدين لا يجبر أحد على رأي غير ما يرضاه ما دام هذا الرأي ليس في شرع الله ولا في دين الله فله حرية اختيار الرأي الذي يراه بغير إكراه من أحد من خلق الله فذهب رجل إلى خالد ابن الوليد وقال: أما سمعت ما قال في شأنك عبد الرحمن؟ قال: وما قال؟ قال: قال في شأنك كذا وكذا قال: لا إن ما ذكرت لا يوجد بيننا فقد ربانا رسول الله صلي الله عليه وسلم أن لا تتطاول الألسنة فيما بيننا على بعضنا
يختلفون لكن لا يتسابون ولا يتشاتمون ولا يشنعون على إخوانهم بما ليس فيهم ولا يحاولون أن يظهرونهم بالوجه القبيح لأنه مؤمن وأنت مؤمن وهل مؤمن يقبح وجه أخيه المؤمن؟ وهل مؤمن يباح له أن يتعالى بالسباب أو الشتائم أو المخازي نحو أخيه المؤمن؟ إذا كان المؤمن يقول فيه النبي الكريم {لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ}[1] من يرى من أهل الغرب فضائياتنا ومن هم منسوبون إلى العلم بيننا وقد تعالت أصواتهم بالسباب والشتائم والتكفير لإخوانهم المسلمين أتراهم بعد ذلك يشكرون في هذا الدين ويثنون على أهله؟
من ينزل منهم إلى سوق من أسواق المسلمين وينظر إلى ما فيه من الأيمان الكاذبة والكذب في الأقوال والغش في البضاعة والغش في الكيل والوزن ماذا يقول؟ أهذه سوق للمسلمين أم سوق للمنافقين؟ إن أسواق المسلمين أسست على التقوى والورع وأصحابها كلهم ورعون عنوانهم {خَيْرُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ}[2] وكان تجارهم على هذه الشاكلة قد يدافع المؤمنون عن قضيتهم ويقولون كان في العدالة عمر بن الخطاب وكان في القيادة خالد بن الوليد وكان في التجارة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وأرضاهم وكان في كذا فلان وفلان أين هؤلاء الآن؟ أين أمثالهم يا أمة القرآن؟ أين الذين يسيرون على هديهم؟ أين الذين يمشون على أخلاقهم؟ أهؤلاء طالبهم الله بالالتزام بهذا الدين وتركنا نمشي على هوانا كما نحب ونبغي ونحن ننتسب إلى دين الله ونسمى عند الله مسلمين؟
هذه هي المهمة التي قصَّرنا فيها أجمعين أخذنا الإسلام من باب واحد العبادات الصلاة والصيام والزكاة والحج وليتنا نقوم في هذا الباب كما ينبغي فلو قمنا بالصلاة فقط كما يحب الله ويرضى فإن الصلاة يقول فيها الله { إنَّ الصَلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} ونحن ندعو الله في كل ركعة ونقول {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ} ندعو الله في كل صلاة أن يهدينا الصراط المستقيم فإذا خرجنا من الصلاة فلا بأس من الكذب وهل الكذب من الصراط المستقيم؟ ولا بأس من الغيبة ولا بأس من النميمة ولا بأس من السب والشتم واللعن وغيرها من أخلاق الجاهلية التي نوه عنها وحذر منها خير البرية صلوات ربي وتسليماته عليه
إن هذه الثنائية التي وقعت في مجتمعنا هي التي أساءت إلى ديننا فالمسلم ملتزم بدين الله في كل أحواله في كل شئونه في كل حركاته في كل سكناته ملتزم بدين الله في بيعه وشرائه كما هو ملتزم به في صلاته وصيامه ملتزم بالصدق والأمانة لأنه لا إيمان لمن لا أمانة له فإذا فقدت الأمانة فقد الإيمان وإن كان يصلي مع المسلمين ويتظاهر بالعمل بشرائع الإسلام لكن الدين التزام بكل ما جاء به الحبيب المصطفى من عند الملك العلام
فإذا كان المسلم على هذه الشاكلة وكان يبغي الله والدار الآخرة فإنه يكون صورة مثلى تقدم الإسلام إلى الأنام ولو سارت قرية واحدة أو شارع واحد من بلدان المسلمين على هذه الحالة الفريدة لدخل الناس في دين الله أفواجا فإن المسلمين الأولين لم يفتحوا البلدان بالسيوف ولا بالخطب ولا بالكتب ولا بالمحادثات وإنما بالأمانة في البيع والشراء والصدق في الأقوال والعمل بتشريع الله في كل الأحوال فرأى منهم الناس نماذج فريدة لأخلاق إلهية كريمة فرأوهم فاهتدوا بهديهم ومشوا على دربهم ودخلوا في دين الله أفواجا قال صلي الله عليه وسلم {مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ}[3]